فيتنام .. ومستقبل الأنطلاقة السياحية الواعدة

ضمن مشاركة مجلة المسافر العربي لحضور معرض هوشي منه السياحي الدولي 2025، التي وفرت لنا فرصة التجول في العاصمة الفيتنامية هوشي منه ، وزيارة عدد من المناطق والمعالم فيها والتعامل مع الشعب الفيتنامي والعيش معهم عن قرب والتعرف على طبيعة الناس وكيفية معيشتهم لفترة استغرقت تسعة ايام ،  وتتناسب اقامة هذة الفعالية مع احتفالات البلاد بالعيد الثمانين لأستقلال البلاد وبعد الحرب التي استمرت 25 عاما مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي دامت من 1975 حتى عام عام 2000 م. ويبلغ عدد افراد السكان 155 مليون نسمة.

هذه الزيارة مليئة بالنشاط والحيوية والتنوع ،وما ساعد في ذلك الجو الجميل والأمطار المتساقطة من حين لآخر، وطيبة اهل البلاد و الترحيب بالقادمين اليهم ، بأبتسامة دائمة والتعامل بكل مصداقية سواء في المتاجر او في المطاعم او السكن او غيرها من مناحي الحياة،  ويتمتع الفرد الفيتنامي بالكرم والبساطة، وما يزيد من الأعجاب بهذا البلد  النظام والهدؤ الدائم  في كل مكان فالناس بطبعهم هادئين في حياتهم اليومية في  المجتمع ، و في قيادة السيارات او الدراجات التي تمثل الخيار الأول للفيتناميين في التنقل الفردي والأسري‘ يفضل السواح استخدام الدراجات النارية لسهولة قيادتها وتكلفتها المناسبة جدا ، والقوانين الصارمة  للمرورفي تنظيم حركة السير ما يسهل العملية بأكملها حتى ولو كنت عديم الخبرة .

وتشتهر فيتنام عموما والعاصمة هوشي منة خصوصا ، بتنوع اصناف المأكولات والمشروبات الطازجة  والأسعار المناسبة جدا ، وحتى في المطاعم الراقية، وهو احد اسباب الأستقطاب السياحي لفيتنام،حيث تتراوح معدلات الرواتب الشهرية للمواطن الفيتنامي من 800 الى 1000 دولار امريكي ، فقد كانت اقل من ذلك كثيرا خلال العشر سنوات الماضية كما يقول دليلنا السياحي السيد/ كيه. وتضم سوق العمل الفيتنامية حوالي 50 مليون عامل حاليا.

 وحتى عام 1986 كانت فيتنام مغلقة امام الأستثمارات الخارجية ،  ولكن في عام 2005 تم فتح البلاد لأستقطاب الأستثمارات الخارجية بعد ان كانت تصنف فيتنام  بلد ضمن المعسكر الأشتراكي وياتي الأستثمار في مجالي الصحة والتعليم على رأس الأستثمارات، فقد تم انشاء عدد من المستشفيات الخاصة والمدارس والمعاهد الخاصة التي تقدم خدماتها الى جانب المؤسسات الحكومية مما يضع خيارات منتوعة امام المواطنين.

خلال ال40 سنة الماضية ، لايوجد محطات تلفزة متعددة بل  محصورة في القنوات الرسمية ولا شوارع حديثة ولا وسائل مواصلات ،  وبعد الأستقلال انطلقت التنمية في كل الأتجاهات وقد تحقق الكثير والكبير من الأنجازات والتنمية في كافة المجالات خلال فترة وجيزة من الزمن.

رغم أن موسم السياحة منخفض، عادةً من مايو إلى سبتمبر، إلا أن عدد الزوار الأجانب إلى فيتنام عمومًا، ومدينة هو تشي منه خصوصًا، لا يزال في ازدياد. وتشهد الوجهات السياحية في مدينة هو تشي منه ازدحامًا بالزوار الأجانب ، فقد استقبلت فيتنام أكثر من 25 مليون سائح في العام الماضي 2024 ،

مع تسجيل أرقام قياسية في عدد الزوار الدوليين باستمرار، لم يشهد قطاع السياحة في فيتنام انتعاشًا قويًا فحسب، بل اقترب أيضًا من تحقيق هدف إيرادات ضخمة تبلغ تريليونات دونغ. ووفقًا لمكتب الإحصاء العام، بلغ عدد الزوار الدوليين إلى فيتنام في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 ما يقرب من 25 مليون زائر، بزيادة قدرها 22% تقريبًا عن الفترة نفسها من العام الماضي. وفي أغسطس وحده، زار فيتنام أكثر من 1.68 مليون زائر، بزيادة قدرها 8% عن يوليو، وهي أعلى نسبة مقارنة بشهر أغسطس من السنوات السابقة.

وفي هذه الصورة النابضة بالحياة، ساهمت مدينة هوشي منه بأكثر من 5.2 مليون زائر دولي، و22 مليون زائر محلي، وإيرادات سياحية تجاوزت 140 ألف مليار دونج.

زيارات وجولات سياحية:

بعد انتهاء الحدث الأهم وهو اقامة المعرض والمؤتمر السياحي الدولي الذي استمر أربعة أيام ، تم تنظيم برنامج سياحي حافل للصحافة العالمية المشاركة في المؤتمرللأطلاع على بعض المواقع السياحية والهامة في مدينة هوشي منه ، تنوعت بيت المواقع التراثية التي تؤرخ لماضي فيتنام و المعالم الحديثة التي تشهد على نهضة البلاد وانطلاقتها بعد الظروف القاسية التي مرت بها فيتنام.

بعد الأسقبال الرائع والمنظم الذي لقيناه في مطار تان سون نات الدولي في مدينة هو شي منه من قبل الفريق الشاب  الذي استقبلنا ، انتقلنا الى فندقنا المعد للأقامة فية وهو فندق M  فيليج . بعدها قمنا بجولة في المدينة في باص سياحي مكشوف اخذنا فيها فكرة اولية عن تنظيم المدينة وحركة المرورالهادئة وكيفية حياة الناس فيها ِ، وما لفت نظري خلال الجولة اعداد الدراجات النارية  الكبيرالتي تتحرك بهدؤ بأنسيابية رغم كثافتها.

وفي المساء تم ترتيب عشاء استقبال في قاعة ديسكي (او كما يطلق عليها- مركز ومؤتمرات الجيل الجديد)  للتعارف مع المضيفين  من جهة وتجربة مأكولات المطبخ الفيتنامي الغني والمتنوع والذي يرضى كافة الأذواق وبدون تردد، ورافق العشاء رقصات من التراث والموسيقى الكلاسيكية . استخدم فيها الألات الموسيثية الفيتنامية الكلاسيكية ووقدمت فيها الرقصات الشعبية المعبرة عن حياة وتراث المجتمع الفيتنامي، كانت ليلة جميلة ورائعة من جميع النوحي، سعد الجميع بأوقت مفعمة بالحيوية.

دروس في المطبخ الفيتنامي:

 ضمن البرنامج لا بد للزائر ان يطلع عن قرب على المطبخ الفيتنامي المتنوع ، وكانت  لنا الحصة الأولى في (مطعم داي تشنج ام او ام استيديو) الذي يصنف  ضمن( فود استريت) أومأكولات الشوارع التي يتم تسليط الضؤ عليلها والتي تتقيد القوانين الصارمة في النظافة  لتكون وجبات مضمونة وسليمة ،وعلي الزائرأن يعد طعامه بنفسة بصورة عملية بأتباع تعليمات الشيف ، والتي تضفي المتعه والسرور على الجميع ، ويخلق شعور بالفخر حتى للشخص الذي لم يكن لديه تجربة سابقة في الطبخ ، يشعر بأنه حقق انجاز كبير واعد طعامه بنفسة مثلي.وكانت التجربة في اعداد الشوسي والشوربة الفيتنامية.

اما التجربة الثانية في المطبخ الفيتنامي فكانت في فندق بالمير ( السيد/ هوترام)  مدير الأغذية والمشروبات في الفندق  والذي انضم للفندق حديثا ، فقد قدموا لنا كيفية عمل القهوة الفيتنامية وكذلك عمل السنتدويتشات والخبز ، وكانت تجربة مفيدة وممتعة للجميع من اعضاء المجموعة .

وسألته عن اعداد السواح من الشرق الأوسط والعرب خصوصا الذين يسكنون الفندق فأجاب : بأن الأعداد قليلة مقارنة بالآخرين ، حيث ان دول شرق أسيا هم الغالبية من السواح وخاصة الصين وتاياند والفلبين وماليزيا ثم اوربا من روسيا وبريطانيا وامريكا ثم دول الشرق الأوسط، وتنقسم  السنة الى موسم الأمطار التي يقل فيها السواح عن الموسم الآخر الذي يبدا من سبتمبر وحتى دبسمبر، ومن ثم  موسم السواح من المواطنون من فيتنام.

زيارة الحديقة الوطنية:

كل زائر لهذا البلد لا بد له من زيارة الحديقة الوطنية التي تحكي جزء من تاريخ ونضال الشعب الفيتنامي مع المستعمر الأمريكي والذي استمر ل25 عاما من النضال بين قوتين غير متكافئتين ، ولكن ومع استمرار النضال وعدد الضحايا التي قدمتها فيتنام ، اضطرت امريكا لتوقيع اتفاقية الأنسحاب والتخلي عن فيتنام.

وقد  تم الأحتفاظ بعدد من الطائرات والمدرعات والمدافع والقنابل والذخائر التي استخدمت خلال الحرب كشاهد على تلك الفترة القاسية التي عاشها الشعب الفيتنامي في تلك الحقبة.

في المقابل كشاهد على الوسائل والأساليب النضالية التي استخدها الشعب الفيتنامي ضد المستعمر، والأفكار البسيطة والمؤثرة في المعركة مما ساهم في النصرالأخيرللشعب الفيتنامي. وسبب الأحتفاظ بمثل هذه المعالم كما يقول دليلنا السياحي ليستفيد الناس العبر من الحروب ومآسيها  ، حيث نحن عانينا ويلات الحرب و تكون عبرة للآخرين ولا نريد لأحد ان يمر بما عانيناه.

ومن هذه الشواهد الأنفاق التي يختبىء فيها المقاتلون تحت الأرض دون ان يشعر بهم العدو، فقد تم حفرها في الغابات الكثفة الأشجاروتغطية مداخها بأوراق النباتات للتمويه عليها، وتحفر هذه الأنفاق بأدوات بدائية جدا وتتم بهندسة متفنة وبسعة تتناسب مع اجسام الفيتنامين الصغيرة. فيمر الجنود من فوقهم ولا يكتشفونهم ، ويكونون صيد سهل للفيتنامين الذي بعرفون الغابة جيدا ، وماخلها ومخارجها بسهولة ، فهم اهل الداروادرى بشعابها .وقد عشنا التجربة العملية للدخول والخروج من هذه الأنفاق كما عاشها المقاتلون الفيتناميون ابان الحرب القاسية.

حديقة البن الكاكاو:

تعرف بعض المناطق في فيتنام بزراعة القهوة وكذلك زراعة الكاكاو،  وتضمن برنامج الزيارة حديقة الكاكاو الذي ينتج لأستهلاك السوق المحلي ويصدر الباقي الى الدول المجاورة وبخاصة الصين ، وهو مشروع بأستثمارخاص مشترك، محلي واجنبي، وهناك خطة للتوسع في زراعة الكاكاو وكذلك البن للتصدير للخارج، وخلال الزيارة قمنا بجولة حول المزرعة للوقوف على خصائص الأشجار وفترة انتاجها الذي يصل لأربعة اشهر في الدورة الواحدة حتى تقطف وتجفف لمدة اسبوعين وتطحن وتذهب لعمل قوالب الشوكولاتة ومن ثم يتم تسويقها. وتمتاز منتجات الشوكلاته الفيتنامية بالجودة ومنافستها لمثيلاتها من المنتجات المستوردة من الخارج.

رحلة في الباص البحري:

بعد زيارة حديقة الكاكاو ، تضمن برنامج الأعلاميين جولة بحرية اسقلينا فيها الباص البحري المعد لسواح ورؤية معالم المدينة من البحروالتمتع بالهدوء وسط المياه ، وتناول وجبة الغذاء على شاطىء  البحر في الجهة المقابلة وفي مطعم كبير معد لأستقبال السواح ، يقدم خدماته الراقية بعد الجولة البحرية .

وقد استمتعنا بهذه الجولة وبتذوق الطعام المميز.

جولة بالدراجات النارية

من ذكريات هذه الرحلة الجميلة والمميزة هو مغامرة ركوب الدراجات النارية والقيام بجولة في شوارع العاصمة هو شي منه  ليلا  لمدة ساعة من الزمن ، والتي خلقت سعادة غامرة لدى الجميع وبدون استثناء ، وملاحظتي خلال هذه الجولة ورغم اعداد السيارات والدراجات النارية خلال جولتنا فيها، الا ان هنا تنظيم كبير في السير واحترام لقوانين المرورفي العاصمة ، مما جعل جولتنا سلسة ومريحة .

سوق الورود:  

وهي احد الأسواق  الزراعية الهامة في الأقتصاد الفيتنامي ، المسموح لها بالعمل 24 ساعة في اليوم لما لها من نشاط هام في البيع والتصدير ، حييث تتجهز السوق بأنواع الزهور والورود ليلا بجلب الورد للسوق  وتكون جاهزة للنقل للأسواق المحلية وللتصدير دوليا ن وهو سوق كبير بمساحة نصف كيلو متر مربع ، تتلاصق في محلات البيع جنبا الى جنب بشوارع ضيقة تفوح فيها روائح الأزهار المختلفة الألوان والرائحة، وقد قمنا بزيارتها ليلا حيث تهداء الحركة ويقل الزحام ونتمكن التجول بحرية تامة، وقطنا السوق مشيا على الأقدام ، دون ان نشعر بذلك في جو معتدل يساعد على المشي وهي مناسبة ممتازة للتعرف على انماط اسواق الأسواق ليلا في فيتنام. 

ختاما كانت رحلة جميلة لبلد مضياف ،  جميل من جميع النواحي حيث طبيعة الناس الذين يمتازون بالهدؤ والأحترام للضيف ، كمان الجو المعتدل له اثر كبير في المتعة والراحة، كما ان تنوع المأكولات  والشراب واسعارها المناسبة جدا تساهم في المزيد من الأستقطاب السياحي الى فيتنام.

ان زيارتك لفيتنام سيخلق لك السعادة الدائمة في بلد متنوع وهادىء ويتركعندك ذكريات لا تنسى ، تبقى معك طول الحياة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *